عدن، اليمن -"لقد رأيت نساءً وصلن الى المستشفى في قمة اليأس وغادرنه والأمل في أعينهن "، تقول الدكتورة إقبال ناجي، من أوائل وأندر الجراحات المتخصصات في معالجة الناسور الولادي في اليمن.
الناسور الولادي هو مضاعفة خطيرة للولادة تحدث نتيجة المخاض الطويل والمتعسر. وبدون رعاية طبية مناسبة، قد يتسبب هذا المخاض في حدوث ثقب بين قناة الولادة والمثانة أو المستقيم- أو كليهما-ويؤدي إلى الإصابة بالناسور الولادي.
لا يؤدي الناسور فقط إلى تسرب البول أو البراز بشكل لا إرادي، بل إن 90 في المائة من النساء المصابات به يلدن أيضاً أجنة ميتة. ويتسبب الناسور الولادي للنساء بصدمات جسدية ونفسية قد تستمر مدى الحياة إذا لم يتم علاجه.
ومع ذلك، يبقى الناسور الولادي قابل للوقاية بشكل شبه كامل.
بناء المهارات لمساعدة النساء
بدأت رحلة الدكتورة إقبال عام 1995، عندما تخرجت من كلية الطب وبدأت العمل كطبيبة عامة في مستشفى الصداقة بمحافظة عدن. وخلال تلك الفترة، شاهدت بنفسها معاناة النساء بصمت جراء الإصابة بالناسور الولادي؛ حيث كن غالبًا ما يتعرضن للهجر والوصمة الاجتماعية. لقد أثّرت الآم واوجاع النساء في نفسها وأشعل بداخلها عزيمة قوية لإيجاد وسيلة للمساعدة.
في عام 2012، كانت نقطة التحول في حياتها. فقد تم اختيار إقبال لتدريب متخصص حول جراحة معالجة الناسور الولادي على يد خبير دولي برعاية صندوق الأمم المتحدة للسكان. تعلمت من خلال هذا التدريب التقنيات المعقدة الضرورية لاستعادة ليس فقط الصحة الجسدية للنساء، بل تعيد لهن صحتهن النفسية أيضاً.
وبعد عامين، أي في العام 2014، أجرت الدكتورة إقبال أول عملية جراحية لمعالجة ناسور ولادي في مدينة عدن، لحظة غيرت مسار حياتها المهنية وحياة عدد كبير من النساء.
مستمرة في عزمها على توسيع خبراتها، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، التحقت الدكتورة إقبال بتدريب متقدم في مستشفى "هاميلين" للناسور في إثيوبيا عام 2014، وفي مستشفى إعادة التأهيل المجتمعي في تنزانيا عام 2019. عمّقت هذه الخبرات معرفتها وعززت التزامها بمحاربة وصمة ومعاناة النساء المصابات بناسور الولادة في اليمن.
منح فرصة جديدة للنساء المصابات بالناسور
حتى اليوم، أجرت الدكتورة إقبال أكثر من 200 عملية جراحية لمعالجة الناسور بنسبة نجاح تصل إلى 90 في المائة.
واجهت الدكتورة العديد من التحديات خلال رحلتها، من نقص المعدات والموارد الطبية إلى تشكيك كبير من الزملاء الذين حذروها من أن النجاح في جراحة معالجة ناسور الولادة صعبة للغاية في اليمن. لكنها لم تستسلم أبدًا.
"قيل لي إن هذا التخصص صعب جدًا، وإن النجاح فيه نادر. لكن اليوم وعندما أتلقى رسائل من النساء عالجتهن من الناسور، أدرك أنني اخترت الطريق الصحيح"، تقول الدكتورة إقبال بفخر.
لا تقوم الدكتورة إقبال بالعمليات الجراحية فقط، بل تعيد الأمل، وتبني الحياة من جديد، وتكسر دائرة المعاناة. وبالنسبة لها، فهذا يمثل أعظم مكافأة يمكنها تنالها.
تخفيض التمويل يهدد سنوات من التقدم في رعاية معالجة ناسور الولادة
في اليمن، تواجه النساء خطر متزايد للإصابة بالناسور الولادي أثناء الولادة بسبب نقص أو انعدام الخدمات الصحية الإنجابية (صحة الأم والوليد)، ما يؤثر على أكثر من خمسة ملايين امرأة في سن الإنجاب بحلول عام 2025، بما في ذلك غياب القابلات المدربات. ست ولادات من كل عشر تحدث من دون قابلة مدربة.
ومع ارتفاع مستويات سوء التغذية لا سيما بين النساء الحوامل وزيادة نسب زواج الأطفال بسبب النزاع، تزداد مخاطر الإصابة بالناسور الولادي في اليمن.
يعمل صندوق الأمم المتحدة للسكان منذ ما قبل النزاع على معالجة الناسور الولادي والقضاء عليه في اليمن، من خلال تدريب القابلات لمساعدة الأمهات على الولادة الآمنة، وتقديم الرعاية للناجيات من ناسور الولادة. كما يقدم الصندوق الرؤية استراتيجية والتوجيه والدعم التقني والمستلزمات الطبية، والتدريب، إلى جانب تعزيز الوعي المجتمعي حول الناسور الولادي وكيف يمكن علاجه.
وقد أنشأ الصندوق مركزين للرعاية وعلاج الناسور الولادي، أحدهما في مستشفى الصداقة بمدينة عدن والآخر في مستشفى الثورة بمدينة صنعاء. المركزان يقدمان الرعاية والمعالجة الخاصة بناسور الولادة مجاناً ولأكثر من 100 مصابة بالناسور سنويًا.
لكن مع التخفيضات الكبيرة في تمويل استجابة صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن، أصبحت هذه الخدمات حالياً تواجه خطر الإغلاق؛ ما يهدد بتراجع سنوات من التقدم والجهود بذلها مهنيون صحيون مثل الدكتورة إقبال، التي تعمل بلا كلل لإعادة الأمل للنساء في كل أرجاء اليمن.