الحديدة، اليمن – "سأمشي في الوحل، وأعبر فيضانات السيول، وأواجه كل الصعاب-لأن كل ولادة يجب أن تكون قصة فرح، لا مأساة "، قالت نورة، وهي واحدة من أربع قابلات ماهرات فقط في جزيرة كمران بمحافظة الحديدة. تعمل نورة في مركز صحي مدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، ويخدم نحو 5000 امرأة وفتاة في ثلاث قرى.
على الرغم من بعض التحسن في السنوات الأخيرة، لا تزال اليمن تعاني واحدة من أعلى معدلات وفيات الأمهات في المنطقة، بنسبة 183 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية. لقد أُنهك النظام الصحي الوطني بعد سنوات من الصراع، وأزمات مناخية متكررة، وأوضاع اقتصادية غير مستقرة. فحوالي 40% من المرافق الصحية تعمل إما بشكل جزئي أو متوقفة تماماً عن الخدمة بسبب النقص في الطواقم، والتمويل، والكهرباء، والأدوية، والمعدات ما يترك الملايين دون رعاية كافية.
ومع انخفاض التمويل الإنساني على مستوى العالم، تشهد الخدمات المنقذة للحياة مثل تلك التي تُقدم في جزيرة كمران تقليصاً حاداً.
ونتيجة لذلك، تغلق المرافق الصحية أبوابها، ويفقد عدد لا يحصى من العاملين الصحيين وظائفهم-في وقت يحتاج فيه الملايين لمساعدتهم الملحة. وبالرغم من ذلك، إلا أن مبادرة جديدة لصندوق الأمم المتحدة للسكان أظهرت أن هناك أدلة قوية على حل بسيط ومنقذ للحياة وفعّال من حيث التكلفة: تدريب وتوظيف وتوزيع المزيد من القابلات.
نورة، واحدة من أربع قابلات ماهرات فقط في جزيرة كمران، بمحافظة الحديدة في اليمن © صندوق الأمم المتحدة للسكان - اليمن
- العالم مهدد بالتراجع في تقدم صحة الأم
تكون النساء والمواليد الجدد في البيئات الهشة والمتأثرة بالنزاع أكثر عرضة بمرتين للوفاة أثناء الحمل والولادة، ويشكلون أكثر من 60% من وفيات الأمهات عالمياً. وسيؤدي انخفاض التمويل إلى تفاقم هذه الأرقام، خاصة مع احتمال ارتفاع النقص الحاد في القابلات المقدر حالياً بنحو 900,000 قابلة ماهرة حول العالم.
في اليمن، ست من بين كل عشر ولادات تتم دون وجود قابلة، وأربع من كل عشر نساء لا يحصلن على رعاية ما قبل الولادة.
أما في جزيرة كمران، فإن النقص الحاد في الموارد يعني أن تضطر النساء اللواتي يواجهن ولادات عالية الخطورة لاستخدام القوارب لعبور مياه خطرة، تليها رحلة طويلة بسيارة إسعاف، إلى أقرب مستشفى.
تتذكر نورة حالة امرأة دخلت في المخاض مع مضاعفات شديدة أثناء عبورها الليلي بالقارب: ورغم عدم توفر أي معدات، قامت نورة بتوليد الطفل بأمان، ونجت الأم والمولود معاً.
- لأن فقدان الوظائف سيقلل من معدلات النجاة لملايين النساء والفتيات
غالباً تشكل القابلات العاملات الصحيات الوحيدات المتاحات في البيئات الإنسانية-يدعمن الولادات الآمنة، ويقمن بإدارة المضاعفات، ويوفرن وسائل تنظيم الأسرة، ويعتنين بالناجيات من العنف. وحينما يختفي التمويل، لا تتمكن القابلات من العمل، وتُغلق المراكز الصحية، وتُفقد الأرواح.
ونتيجة لانعدام التمويل، لن يتمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان من مواصلة دعم مركز كمران الصحي، ما يعني فقدان نورة لوظيفتها وتعريض حياة العديد من أفراد مجتمعها للخطر.
ومن المؤسف ان حالة نورة ليست الاستثناء الوحيد، ففي أنحاء اليمن، لن يتمكن صندوق الأمم المتحدة للسكان من تدريب أو توظيف أكثر من نصف عدد القابلات البالغ 1,492 ألف وهو الرقم المخطط له في عام 2025، مما يعني أن أكثر من 590,000 امرأة في سن الإنجاب سيفقدن الوصول إلى رعاية القابلات، وسيتأثر أكثر من 2.3 مليون شخص بشكل عام.
نهاية عام 2024، تخرجت 139 قابلة من المعاهد المدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان وتم إرسالهن إلى المناطق الريفية الأكثر احتياجاً في اليمن. © صندوق الأمم المتحدة للسكان – اليمن
3- خدمات منقذة للحياة وفعالة من حيث التكلفة
أظهرت الدراسات أن كل دولار واحد يتم استثماره في القِبالة يمكن أن يحقق عائداً يصل إلى 16 دولاراً من حيث انقاذ الأرواح، والاستقرار المحقق، وتعزيز الاقتصادات.
في عام 2020، أنشأ صندوق الأمم المتحدة للسكان برامج تدريبية للقبالة مدتها ثلاث سنوات في سبعة معاهد تقع في مناطق نائية وصعبة الوصول في اليمن حيث معدلات وفيات الأمهات والمواليد هي الأعلى.
نسيم، البالغة من العمر 28 عاماً، هي إحدى خريجات هذه البرامج التعليمية. نشأت نسيم في قرية الحدب بمحافظة صنعاء، حيث شجعتها والدتها على العمل بجد ودراسة الطب. قالت نسيم: "بفضلها (إشارة لوالدتها)، تمكنتُ من إنهاء المرحلة الثانوية، والتي كانت أول خطوة نحو تحقيق حلمي الكبير: أن أصبح طبيبة."
لكن الحياة وضعت الكثير من التحديات في طريقها، خاصة بعد أن فقد زوجها وظيفته بسبب انهيار الاقتصاد اليمني. "كنت المعيلة الوحيدة لأسرتنا. عملت كمعلمة لإعالتنا، لكن حلمي بأن أصبح طبيبة لم يغادر قلبي أبداً." أضافت نسيم.
لقد اثبت التزامها هذا فعاليته عندما سمعت عن برنامج صندوق الأمم المتحدة للسكان. "تلقيتُ مكالمة حول فرصة تدريب لأصبح قابلة ريفية. ورغم الصعوبات-بما في ذلك الخلافات العائلية بسبب انشغالي-إلا انني بقيت مصممة. هذا التدريب لم يكن مجرد فرصة عمل، بل كان طريقتي لإثبات ذاتي، وإنقاذ الأرواح في قريتي، وتحسين مستقبل أطفالي."
وبحلول نهاية عام 2024، تخرجت 139 قابلة من المعاهد المدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان وأُرسلْن إلى أكثر المناطق احتياجاً-وهي مبادرة لا تنقذ الأرواح فحسب، بل تُمكّن النساء وتساهم في بناء مجتمعات أكثر صحة.
لكن نقص التمويل أدى إلى توقف هذه التدريبات لأكثر من 100 طالبة قبالة، كما ستفقد 100 طالبة جديدة فرصة الالتحاق بهذا البرنامج في العام 2025. قالت الدكتورة نتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "إن قطع التمويل عن خدمات القِبالة الإنسانية يعرّض النساء وأطفالهن للخطر. لا يمكننا أن نتخلى عن القابلات؛ علينا إيجاد طرق لدعم عملهن الأساسي."