أنت هنا

 

الحديدة، اليمن-ظلت  نبيلة لمعظم حياتها غرب اليمن وهي تشعر أن الصعوبات تتعاضد ضدها. تقول نبيلة لصندوق الأمم المتحدة للسكان:" ولدت بإعاقة في قدمي، وحينما كنت في الشهر الخامس من عمري، تعرضت لحقنة خاطئة في عضلة قدمي السليمة، فلم يكن هناك كادر طبي مؤهل وكاف في المستشفى." فقدت نبيلة قدمها الأخرى كنتيجة لهذه الحقنة ما أثر على حركتها بشكل كبير.

بعد ذلك، توفى والد نبيلة اثر جروح خطيرة في رأسه نتيجة حادث مروري. لقد كان العائل الوحيد لأسرة نبيلة المكونة من 5 أطفال وعائلة الزوجة الثانية لوالدها والمكونة ايضاً من خمسة أطفال ، وجميع هؤلاء الأطفال تحت سن 12 عام. لم يكن والد نبيلة يستطيع التعرف على أفراد عائلته وفي بعض الأحيان يصبح عنيفاً. وتوضح نبيلة والبالغة الآن 22 عاماً :" كان والدي أحياناً يهدد بقتلي انا وإخواني الأصغر مني سناً إذا بقينا إلى جواره لفترة طويلة، لذلك كنا نبقى بعيداً عنه."

أرادت نبيلة أن تتولى دعم العائلة لكن خياراتها كانت محدودة فهي لم تكمل تعليمها.  وتشرح نبيلة، "للأسف تدمرت مدرستي مع انطلاق الصراع، لقد عانيت كثيراً ".

تسبب الصراع و الإعاقة والتمييز بحواجز كبيرة

لقد عصفت باليمن طوارئ متعددة ومتداخلة، من الصراع العنيف والإنهيار الاقتصادي إلى كوارث المناخ المتكررة والاضطراب الكبير في الخدمات العامة. اليوم، يرزح اليمن تحت واحدة من أكبر الازمات الإنسانية في العالم، فهناك نحو 21.6 مليون من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية خلال العام 2023، كما أن 80% من السكان بالكاد يمتلكون ما يكفي من الغذاء والمياه الآمنة للشرب أو الخدمات الصحية التي يمكن الوصول إليها من أجل البقاء.

ومن بين 4.5 مليون من اجمالي النازحين في اليمن، تشكل النساء والأطفال 80%، ونحو رُبع عدد الأسر النازحة تعولهن نساء. كما يبقى التمييز القائم على النوع الاجتماعي واسع في الانتشار ويحد من قدرة النساء والفتيات على التعليم وكسب معيشتهن. وفي ذات الوقت، يتسبب انعدام السكن الآمن لهؤلاء النازحات في تعرضهن لمخاطر الحماية كالعنف والاستغلال والإساءة.

بالإضافة إلى ذلك، تزداد القيود على حرية النساء والفتيات في عدد من الأماكن. فعلى سبيل المثال،  في أجزاء من شمال اليمن لم يعد بمقدور النساء العمل بشكل مستقل نتيجة فرض نظام "المحرم" الذي يطلب مرافقة احد اقرباء المرأة من الذكور اذا ارادات السفر.

وتتفاقم هذه القضايا بالنسبة للنساء والفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة واللواتي يواجهن تهديدات متزايدة بالعنف والإساءة والتمييز لاسيما  وان خدمات الصحة والحماية الأساسية اما منعدمة  أو غير مجهزة لتستجيب لاحتياجات هذه الفئة.

يرسمن مسارهن

حتى و مع هذه العوائق الكثيرة، تستطيع النساء والفتيات من ذي الاحتياجات الخاصة النجاة وحتى الازدهار عندما تكون الخدمات الداعمة لهن شاملة. لقد تعملت نبيلة هذا الشيء بشكل مباشر بعد أن تم إخبارها عن وجود مساحة آمنة للنساء والفتيات يديرها صندوق الأمم المتحدة للسكان وبدعم مالي من السويد وسويسرا وهولاندا.

لقد ترددت نبيلة في البداية من أن تزور المركز، وبعد سنوات من تعرضها للوصمة الاجتماعية بسبب إعاقتها، لم تعد متأكدة من أنه سوف يتم قبولها. لكنها تفاجأت حين تم ليس فقط الترحيب بها وإنما تقديم حزمة واسعة من الدعم والتدريب لها.

تلقت نبيلة الارشاد لبناء ثقتها بالإضافة إلى جلسات توعية لتتعلم حقوقها. انخرطت في دروة تدربيبة للحرف اليديوية وبعد تمكنها من تقنيات الحرفة بدأت بتدريس هذه المهارات لفتيات اخريات. لقد بدأت بعد ذلك ببيع منتجاتها في السوق المحلي.

تعول نبيلة حالياً أُسرتها لكنها لم تتوقف عند هذا فقط، فقد انضمت إلى دورة القراءة والكتابة التي قدمتها لها ذات المساحة الآمنة لتواصل بذلك تعليمها وتساعد فتيات اخريات للبدء باعمالهن الخاصة.

تقول نبيلة:" لقد ساعدت المساحة الآمنة في تغير حياتي-لقد اكتشفتً أن إعاقتي ليست عائقاً أمام تحقيق احلامي."

سيدات أعمال ناجحات في صنعاء

مرت  سبأ * في محافظة صنعاء بنفس التجربة. ولدت سبأ البالغة من العمر الآن 22 عاماً  بإعاقة في السمع وتلقت التعليم لمدة عامين فقط في مركز تعليمي متخصص، لكنها قضت بقية حياتها في عزلة ظلت معظمها حبيسة المنزل. بقى هذا الوضع إلى أن أبلغ عاقل الحي شقيقة سبأ عن وجود مساحة آمنة بالقرب تُرحب بالنساء والفتيات من ذوي الاحتياجات الخاصة.

تقول فاطمة، المتطوعة في المساحة المدعومة من صندوق الأمم المتحدة للسكان:"حينما وصلت سبأ إلى المساحة الآمنة لأول مرة، ترددت وانسحبت." ومع ذلك، انضمت سبأ لتدريب مهني مدته شهرين وعندما واجهت سبأ صعوبة في فهم المُدرب، قام البرنامج بتغطية نفقات المواصلات لشقيقة سبأ لترافقها وتساعدها.

وتقول شقيقة سبأ :" لم أصدق التغير الذي حصل لها، لقد بدأت تبتسم وتوجه التحايا للناس، لقد بدأت حتى بالتحدث إلى كل من تقابله."

تقول سبأ: " لقد أصبحت المساحة الآمنة بيتي الثاني، حسيتُ  بالآمان وبالدعم هناك وكنت أحب قضاء الوقت مع النساء والفتيات الاخريات اللواتي يحضرن إلى المساحة، وتعملتُ الكثير منهن وشعرتُ انني جزء من هذا المجتمع."

وتلقت نوال* البالغة 25 عاماً كذلك دروساً في احدى  المساحات الآمنة في محافظة صنعاء. لقد فقدت بصرها وهي في العاشرة من عمرها ونتيجة لذلك لم تلتحق بالمدرسة سوى لعام واحد فقط.

تتذكر نوال قائلة: " لقد سجلني والدي في مدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة لمدة عام واحد فقط، وبعد ذلك توقفتُ لانه لم يستطيع مواصلة دفع الرسوم. زاد اندلاع  الصراع الأوضاع سواءً وكنت ابكي باستمرار."

لكن ذلك كله تغير عندما تلقت نوال دورات تدريبية في المساحة الآمنة بمنطقتها. "تلقيتُ دروات تدريب وتعملتُ العديد من المهارات الحياتية كالتسويق وإدارة المشاريع...وبالرغم من اعاقتي، كنت اتعلم بشكل سريع وقد أُعجب الجميع بالإكسسوارات التي كنت انتجها."

ومثل نبيلة، تديران كل من سبـأ ونوال مشاريعهن الخاصة في الوقت الحالي.

خلال النصف الأول من العام الحالي، وصلت استجابة صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى مليون شخص بخدمات منقذة للحياة في مجال الصحة الإنجابية والحماية والإغاثة الطارئة  من خلال دعم 88 مرفق صحي، 29 مساحة آمنة، 8 دور إيواء و 5 مراكز متخصصة للصحة للنفسية. خلال العام2022، تم الوصول لحوالي مليون من النساء والفتيات بخدمات الحماية من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان.

يحتاج صندوق الأمم المتحدة للسكان 70 مليون دولار في 2023 لمواصلة تقديم برامجه في الرعاية الصحية الإنجابية والحماية للنساء والفتيات لكن وإلى الوقت الراهن لم يتلقى سوى أقل من نصف التمويل المطلوب.

*تم تغير الأسماء لأغراض الخصوصية والحماية