مأرب/تعز، اليمن – في السادسة والعشرين من عمرها فقط، عاشت عبير ظروف حرب اليمن لنحو عقد. فقد فرت من منزلها بمحافظة ذمار في العام 2016 مشياً على الأقدام وعبر تنقلات خيرية لثمان ساعات رفقة زوجها وأطفالها الصغار بحثًا عن ملجأ في محافظة مأرب المجاورة.
أثر النزوح بشكل مُدمر القدرة المالية لعائلتها. قالت عبير لصندوق الأمم المتحدة للسكان، وكالة الأمم المتحدة المعنية بالصحة الإنجابية: "عزمتُ على المساهمة". لكن وبسبب الاضطرابات، تركت (عبير) المدرسة في السادسة عشرة ثم تزوجت في السابعة عشرة من عمرها. "كان من الصعب العثور على عمل بسبب لعدم امتلاكي مهارات أو مؤهلات." اضافت عبير. شجعتها أختها المتواجدة في مأرب على الانضمام إلى مساحة آمنة للنساء والفتيات، تابعة لصندوق الأمم المتحدة للسكان، والتي قدمت لعبير الاستشارات والتدريب الفني كخطوة نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
أخذت عبير دورة في صيانة الهواتف المحمولة، مما أثار فضولها وقادها إلى فتح مركزاً للصيانة خاص بها بعد شهر فقط من بدء التدريب، وأسمته: " أمان تك". قالت عبير: "كان هذا المركز نقطة تحول بالنسبة للنساء في المنطقة. فمع انتشار الابتزاز الإلكتروني, كانت الكثير من النساء تخاف من طلب الصيانة لأجهزتهن الهاتفية ". فقد سمعت عبير عدة قصص عن فتيات تعرضت هواتفهن المحمولة للاختراق اثناء الصيانة ليجدن بعد ذلك صورهن الخاصة على مواقع الانترنت متسببة لهن بالإساءة والابتزاز.
أم علي وهي عميلة دائمة لدى عبير قال: "جعلتني القصص المروعة عن الابتزاز الإلكتروني أتردد في طلب صيانة هاتفي المحمول. لكن السمعة التي تتمتع بها عبير كمحل للثقة والمحافظة على الخصوصيات جعلتني اشعر براحة البال".
مع زيادة الطلب على خدمات عبير، تأمل في توسيع عملها وتدريب مزيد من النساء حتى يتمكنّ من إعالة أنفسهن. الصورة: صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن / أحمد المجيدي
وبالرغم أنه لم يكن من المعتاد في منطقتها أن تعمل النساء في مجال التكنولوجيا وما واجهته من قيود على السفر والرفض من ملاك متاجر اخرين، إلا أن عبير صمدت.
"لقد تحدى نجاحي الأنماط الاجتماعية لأدوار النساء وألهم نساء اخريات لاستكشاف مسارات غير تقليدية". اضافت عبير.
ارتفع الطلب على خدماتها، وتأمل في توسيع نطاق عملها وتدريب المزيد من النساء حتى يتمكنّ من إعالة أنفسهن. وأوضحت عبير بالقول: "أردت خلق بيئة داعمة حيث يمكن للنساء الازدهار والمساهمة في تنمية المجتمع".
أعمال العنف الرقمي
يمكن أن يتسبب العنف الذي تسهله التكنولوجيا ضد النساء والفتيات بأضرار نفسية وحتى جسدية. وقد يأخذ هذا النوع من العنف اشكالاً متعددة كالابتزاز الإلكتروني، والذي ينطوي على الابتزاز من خلال التهديد بنشر مواد ذات خصوصية؛ مثل الابتزاز القائم على استخدام الصور والذي يتم نشر صور ذات خصوصية شخصية دون موافقة، والتشهير عبر نشر معلومات شخصية.
في مدينة تعز، على الجانب الآخر من عبير في اليمن, شاركت مُنى* البالغة 20 عاماً بعض الصور الشخصية مع أعز صديقاتها وهي على ثقة أن لا أحد آخر سيرى هذه الصور اطلاقاً. لكن سرعان ما تحولت ثقتها إلى رعب عندما تلقت رسالة نصية من رقم مجهول يطالبها بالمال مقابل عدم نشر صورها على نطاق أواسع.
قالت منى: " في تلك اللحظة، تمنيت الموت على أن أعيش هذه التجربة. تخيلت ما سيحدث إذا عرف والدي. بالتأكيد، سيقتلني".
دفعت منى أموالاً للمبتز لكنه سرعان ما عاد لتهديدها مطالباً بالمزيد من المال ولم يعد لدى منى اية مال.
"قال إنه سيرسل الصور إلى والدي ويشاركها على صفحتي على الفيسبوك. كنت في حالة من الضيق الشديد."، هكذا قالت منى لصندوق الأمم المتحدة للسكان. ولسوء الحظ، نفذ المبتز تهديداته.
تابعت منى حديثها لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "بالنسبة لعائلتي، كان الأمر صادمًا. لقد استجوبوني، ثم اعتدوا عليَّ جسديًا، بل وهددوني بالقتل".
حلقة من الإساءة
تحدثت منى إلى ابنة عمها التي تدخلت نيابة عنها. “لقد أخبَرَتهم أنني لم أرتكب أي خطأ. وهم صدقوها وتفهموا ما حدث". لكن عقوبتها لم تنته عند هذا الحد. "فرضت عليَّ عائلتي قواعد صارمة، وأخذوا هاتفي المحمول ومنعوني من استكمال دراستي". وقد أثرت المعاملة القاسية على منى بشكل أكبر مع تدهور صحتها الجسدية والنفسية.
منذ بداية عام 2024، تلقى ما يقرب من 250 ألف شخص في اليمن المساعدة من خلال خط ساخن مدعوم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومن خلال مراكز الصحة النفسية. الصورة: صندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن / أحمد المجيدي
قالت والدتها: "أردت مساعدتها فبحثت على نطاق واسع بين الأطباء والشيوخ ولكن دون فائدة".
تُعد رعاية الصحة النفسية في اليمن نادرة خاصةً مع الوصمة الشديدة المرتبطة بهذا المرض. لقد ترك الصراع المطول حوالي 7 مليون شخص بحاجة إلى العلاج والدعم النفسي بينما يستطيع 120,000 شخص فقط الوصول المستمر إلى هذه الخدمات.
وبينما كانت والدة منى على وشك فقدان الأمل، تحدثت إليها جارتها عن مرفق يعالج مثل هذه الحالات. "أخذتها هناك على الفور". تابعت الوالدة.
الرعاية الشاملة
وصلت منى إلى مركز متخصص للرعاية الصحية النفسية يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهناك تلقت الإسعافات الأولية النفسية، وهي مرحلة من الأدوية والعلاج النفسي.
قالت منى: "فقدتُ الثقة في الجميع، ترك الابتزاز ندبة في قلبي وذاكرتي، ولكن بعد الجلسات لاحظت تغييرًا في تفكيري. أصبحت متفائلة وعادت لي ثقتي بنفسي".
أنشأ صندوق الأمم المتحدة للسكان سبعة مراكز للدعم النفسي في أنحاء اليمن بتمويل من الاتحاد الأوروبي والنرويج. ومنذ بداية عام 2024، تلقى ما يقرب من 250 ألف شخص الدعم والرعاية من خلال خط ساخن وفي مراكز الرعاية النفسية، وشكلت الناجيات من العنف أكثر من ثلاثة ارباع هذا الرقم الإجمالي.
اختتمت منى: "لم أعد أُشَكِك في نفسي. أنا ممتنة لهذا المركز - آمل أن تستمر هذه المشاريع، لأن النساء بحاجة إليها".
*تم تغير الاسم لأغراض الخصوصية والحماية الخصوصية والحماية