محافظة حضرموت، اليمن-عندما بدأت منى العمل كقابلة في منطقتها قبل 30 عاماً، كانت هي أول قابلة صحية في محافظة حضرموت باليمن. وقالت منى لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "في ذلك الوقت، كانت منطقتنا بعيدة عن الرعاية الصحية ". وتوضح منى من موقعها حاليا كمديرة لقسم القبالة في مركز "شُحير" الصحي بحضرموت أن منطقتها كانت فقيرة وتنعدم فيها المدارس والمرافق الطبية والكوادر الصحية.
وتضيف منى: " واجهت النساء ظروف حمل دون رعاية ومتابعة ملائمة. حتى وجود القابلة التقليدية وبكل حسن نيتها كانت محدودة الموارد". " كثير من حالات الولادة انتهت بمضاعفات كانت أحيانا مأساوية، وكان مستشفى المدينة بعيد المنال بسبب التكلفة المادية للخدمات والمواصلات والانعدام الكبير في الوعي".
تؤكد فاطمة، إحدى المرضى في المركز الصحي، هذه الصورة التي تصف الماضي بالقول: " لقد كانت نجاة الأم والطفل تعتمد على مجرد الحظ فقط".
تعاني اليمن واحدة من أعلى معدلات وفيات الأمهات في العالم مع وجود مرفق صحي واحد فقط من بين كل خمسة مرافق عاملة يقدم حالياً خدمات صحة الأم وحديثي الولادة. ويحتاج نحو 17.8 مليون شخص للمساعدات الصحية في العام 2024، بينهم حوالي 5.5 مليون امرأة بحاجة لخدمات الرعاية الصحية الإنجابية.
استلهمت مُنى تغير الوضع والتحقت ببرنامج القبالة التدريبي في مدينة المكلاء القريبة بعد أن أكملت تعليمها الثانوي. وحينما تم افتتاح مركز "شحير" الصحي في قريتها، سارعت منى بالتقديم. "بالرغم من قلة التمويل ونقص الكادر الذي بالكاد يغطي احتياج المركز، فقد ناضلنا دون كلل من أجل صحة نسائنا".
وباعتبارهن العمود الفقري لخدمات الرعاية الصحية الإنجابية في المجتمع، تُعد القابلات بوابة الحصول على الخدمات الصحية في أماكن وأوقات الأزمات خاصة لأكثر الفئات تهميشاً.
عدم المساواة الناجمة عن تغير المناخ
تتذكر منى احدى الأيام المروعة في العام 2015 حينما ضرب إعصار تشابالا بالتزامن مع اندلاع الصراع في اليمن. وتقول: " رفقة فريق من المركز الصحي سافرنا مسافات طويلة سيراً على الأقدام للوصول إلى الناس الذين كانوا في حالة يأس ".، وبالرغم من الرياح العاتية وانعدام الضوء، كان التفكير بثلاثة أرواح عالقة بين الحياة والموت - احدى الأمهات في مخاض الولادة بتوأم- حافز لعزيمتنا ووصلنا إليهم في الوقت المناسب."
حينما تضرب كوارث المناخ أو يندلع الصراع، تكون القابلات غالباً أول المستجيبين في المجتمع ويمثلن بذلك الوسيلة الوحيدة الأكثر فاعلية لتجنب وفيات الأمهات التي يمكن الوقاية منها. يُظهر أحد الأبحاث أن أزمة المناخ تحمل تهديدات محددة على النساء والفتيات فقد تؤدي الكوارث إلى مضاعفات أثناء الحمل وزيادة في المخاطر كالولادة المبكرة وحالات الإجهاض.
بتمويل من الاتحاد الأوروبي، أعاد صندوق الأمم المتحدة للسكان تأهيل مركز "شٌحير" الصحي في العام ٢٠٢١ وتزويده بالأدوية والإمدادات ودعم جلسات تدريب العمال الصحيين. انخفضت معدلات وفيات الأمهات في المنطقة مع وجود عشرات القابلات المؤهلات اللواتي يقدمن حالياً حزمة من الخدمات الشاملة-تشمل خدمات الأمومة الصحية والطوارئ التوليدية المسنودة بسيارة اسعاف مزودة بغرفة عمليات مجهزة كلياً بالمعدات، بالإضافة إلى الأدوية المجانية.
تقول منى:" بعد الدمار الذي خلفته كوارث المناخ والصراع، كان الوضع أشبه بحلم." " لقد تمكنت العائلات في المنطقة والنازحون الفارون من الحرب والسيول من الحصول على المواساة هنا. "
حالة للاستثمار
منذ بداية العام 2024، وصلت استجابة صندوق الأمم المتحدة للسكان لأكثر من 350,000 شخص في اليمن بالمساعدات المنقذة للحياة في مجال الرعاية الصحية الإنجابية والحماية والتوعية، كما دعم الصندوق أكثر من 100 مرفق صحي.
تشكل القابلات جزءً محورياً من هذه الاستجابة كمقدمات للرعاية التي تراعي الحساسية الثقافية وكقادة في المجتمع ومستجيبات في الطوارئ. إلا أن العالم يعاني نقصاً في عدد القابلات قدره مليون قابلة تقريباً: فعدم الالتزام الدولي بالاستثمار في تدريب القابلات وتنميتهن ودعمهن يحد من وصولهن ويخاطر بحياة النساء والفتيات اللواتي يعتمدن عليهن.
ومثل منى، أُجبرت الكثير من القابلات على مواجهة بيئة عمل صعبة وأجور متدنية وانعدام في فرص التطوير المهني وكلها عوامل أدت إلى هذا النقص العالمي.
وأظهر بحث لصندوق الأمم المتحدة للسكان أن زيادة تغطية القابلات بنسبة 25 بالمئة كان سينقذ حياة أكثر من 2 مليون سنوياً بحلول العام 2035.
تقترب منى اليوم من التقاعد لكنها تقول إنها تشعر بالارتياح لأنها سوف تسلم زمام إدارة الأمور للفريق في مركزها الصحي. واختتمت بالقول: " إنهن فريق من القابلات المدربات والمؤهلات تأهيلاً عالياً ومجهزات للتعامل مع مستقبل الرعاية الصحية للأمهات."